هي قصة المثل المعروف أكلنا يوم أكل الثور الأحمر....
أشرقت الشمس في ذلك اليوم الجميل وراحت ترسل أشعتها الذهبية على تلك الغابة الخضراء الزاهية،
كانت جميع الحيوانات تسعى بنشاط وسعادة لتجمع ما رزقها الله تعالى من الطعام؛ الطيور تنتقل من شجرةٍ إلى أخرى ومن مكان لآخر لتلتقط الحبَّ فرحةً مسرورة.. والسناجب تقفز من غصنٍ إلى آخر لتجمع ثمار الأشجار.
وها هم الأصدقاء الثلاثة الثور الأبيض والثور الأحمر والثور الأسود يتناولون من حشائش الأرض وأعشابها مطمئنين فرحين وقد بدت أجسامهم كبيرة وقوية.
لكن أسداً كسولاً ظلَّ يغط في نومٍ عميق ولم يستيقظ إلا بعد أن ارتفعت شمس الضحى عالياً في السماء، نهض من نومه متثاقلاً وتوجه إلى بركة الماء وشرب منها قليلاً ثم شعر بالجوع الشديد لأنه لم يذق الطعام منذ أيام.
ثم وقف يطيل النظر إلى حيوانات الغابة وهي تتحرك هنا وهناك قد غمرتها السعادة، فوقع نظره على الثيران الثلاثة وبدأ يتحدث مع نفسه: ـ ايه... إن بطني الخالية لا يملؤها إلا هذه الثيران السمينة الشهية، كلما نظرت إليها ازداد جوعي وسال لعابي، ولكن ماذا أفعل؟ أنها قوية ولا تتفارق أبداً ولا أستطيع أن افترسهم ما دامت متحدة!
لا بد أن أدبر حيلةً وأفرقهم، فما أفعل يا ترى؟! راح الأسد يفكر ويفكر طويلاً،
ثم بعد مدةٍ ضحك قائلاً: ـ وجدتها.. وجدتها ها... ها... ها. اقترب شيئاً فشيئاً من تلك الثيران القوية وخاطبها قائلاً: طاب صباحكم يا أصدقائي الثيران الأعزاء.
ـ طاب صباحك أيها الأسد.
ـ ما أجمل صداقتكم وحبكم لبعضكم، أتمنى أن أكون صديقكم.
ـ ونحن نتمنى أن نكون أصدقاءك أيها الأسد. وحينما سمع الأسد هذا الكلام الجميل من تلك الثيران، وقف ينظر إليهم قليلاً، بينما راح الثور الأحمر يبتعد مشغولاً بالأكل، عندها اقترب الأسد من الثور الأسود والثور الأبيض وهو ينظر عن يمينه وشماله حتى لا يراه أحد،
وقال بصوت منخفض: ـ أيها الثور الأسود القوي، يا صديقي الثور الأبيض الشجاع، أريد أن أتحدث إليكما بأمرٍ مهمٍ جدأً، انه سرٌ خطير.
ـ ماذا تقول أيها الأسد، أمر مهم، سرٌ خطير؟! ـ نعم، إنه أمرٌ تتوقف عليه حياتكم وحياة بقية حيوانات الغابة.
ـ ما هو هذا الأمر تكلم أيها الأسد؟!
ـ انظرا إلى الثور الأحمر، ان لونه الأحمر الفاقع يجذب الأنظار إلينا، وجسمه كبير جدا .
ـ ماذا تريد أن تقول أيها الأسد؟!
ـ أريد أن أقول لكم: إن هذا الثور بلونه الأحمر يجعل غابتنا هدفاً للوحوش والحيوانات المفترسة الأخرى، وأخاف أن تهجم علينا الحيوانات المفترسة إن بقي معنا في الغابة.
ـ وما العمل أيها الأسد؟ ـ عندي حل، ولكن ارجو أن توافقاني عليه.
ـ ما هو الحل أيها الأسد؟ ـ ها... آ... دعونا نتخلص من هذا الثور الأحمر و نرتاح من خطر وجوده معنا.
ـ ولكن... كيف نتخلص منه؟
ـ عندي الطريقة المناسبة. وبعد لحظاتٍ من الصمت، نظر الثور الأسود إلى صاحبه الثور الأبيض ولم يتكلم أحد منهما، حينها قال الأسد: يا أصدقائي الأعزاء، إنما أريد أن ادفع الخطر عنكم وعن بقية حيوانات الغابة.
عند ذلك تقدم الثور الأسود وقال: ـ إن كان ما تقوله صحيحاً ـ أيها الأسد ـ فأنا موافق. ما هو رأيك أيها الثور الأبيض؟
ـ أنا أيضاً لا مانع عندي من ذلك، فوجود الثور الأحمر يعني وجود الخطر في غابتنا.
ابتسم الأسد ابتسامةً ماكرة، وهو ينظر إلى الثور الأحمر من بعيد ويخاطب نفسه قائلاً: ـ نجحت الخطة. ايه أيها الثور الأحمر السمين استعد للموت ها... ها... ها.. ومضت الأيام ولم يبق في الغابة من الثيران غير الثور الأبيض والثور الأسود بعد أن افترس الأسد الماكر ذلك الثور الأحمر ولم يبق منه إلا العظام.
وفي ذات يوم وبينما كان الثور الأسود يأكل في مكان من الغابة والثور الأبيض يأكل في مكان آخر قريب منه، اقترب الأسد الماكر وقال: ـ طاب صباحك أيها الثور الأسود القوي.
ـ طاب صباحك أيها الأسد. ـ كيف حال صديقك الثور الأبيض هذا اليوم؟
ـ إنه بخير.
ـ أيها الثور الأسود، انظر إلى الثور الأبيض، ما أكبر جسمه وأقواه لأنه يأكل العشب الطري الجيد، وأنت لا تأكل إلا العشب الرديء، لذا فإن جسمه يقوى ويكبر بسرعة، واظن انه اقوى منك، وقد قال لي قبل أيام إنه أقوى حيوان في الغابة.
ـ ها... هو قال ذلك؟!
ـ نعم، ويقول إني أقوى من صاحبي الثور الأسود واشجع منه.
ـ أنت سمعته يقول ذلك أيها الأسد؟!
ـ نعم يا صديقي..وانا معك اذا اردت مهاجمته .
ـ إذن سأذهب إليه، وسترى أيها الأسد من هو الأقوى والأشجع.
انطلق الثور الأسود بسرعة نحو الثور الأبيض، وما أن وصل إليه فاجأه بضربةٍ من قرنه القوي فغضب الثور الأبيض لذلك ووجه ضربة مماثلة برأسه الكبير إلى الثور الأسود، واشتد القتال بينهما وما هي إلا ساعة حتى سقط الاثنان وقد غطت أجسامهما الدماء من أثر الجراح، ولم يستطيعا النهوض أو الحركة.
استنجد الثور الاسود بالاسد .... وطبعاً لم يجد الاسد فرصة احسن من هذه الفرصة فهجم على الثور الابيض والتهمه
وبعد أيام جاء الأسد الماكر ووقف عند الثور الاسود وضحك ضحكةً عالية وقال: ـ بالأمس كنتم أقوياء لأنكم متحدون ويحب أحدكم الآخر،
أما اليوم فقد ذهبت قوتكم لتفرقكم واختلافكم، فأصبحتم فريسةً سهلة لأعدائكم
- عندها ايقن الثور الاسود الخطأ الذي وقع فيه هو واصدقاءه الثيران
وقال مقولته الشهيرة:
((( أُكلنا يوم أُكل الثور الأحمر)))